منذ 6 أيام
الذكاء الاصطناعي يستغل بيانات المسافرين لتسعير تذاكر الطيران
لطالما اشتكى كثيرو الأسفار والمدافعون عن حقوق المستهلكين من الطبيعة المعقدة لأسعار تذاكر الطيران.
يمكن أن تصبح التذاكر المخفضة باهظة الثمن بسرعة من خلال استخدام «التسعير بالتنقيط»، وهو فرض رسوم إضافية على وسائل راحة كانت مجانية في السابق، مثل إيداع الحقائب والوجبات الخفيفة أو أن تحصل على كرسي بجوار طفلك.
كما أن التنوع الهائل في فئات الأسعار «الديناميكية» التي تتغير مع مرور الوقت، قد صعب الحصول على صفقة جيدة عبر التخطيط المسبق، أو حتى معرفة ما إذا كان السعر المعروض عليك اليوم أفضل أم أسوأ من السعر الذي ستجده غداً. ولكن حسب تقرير لم تنشر تفاصيله من قبل، قد يزداد الغموض سوءاً عما قريب.
أعد التقرير أوري يروشالمي، المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي للذكاء الاصطناعي في شركة «فيتشر»، وهي شركة ناشئة في مجال البرمجيات، تعمل مع شركة «دلتا إيرلاينز» وكثير من شركات الطيران الأخرى، وتسوق خدماتها على نطاق أوسع.
في هذه المذكرة البحثية، يصف يروشالمي برنامجاً تجريبياً للذكاء الاصطناعي، صممته «فيتشر» لصالح شركة طيران شريكة لم يفصح عنها، ويصف استبدال هيكل تسعير بسيط نسبياً بهيكل معقد جداً، يضم فئات أسعار أكثر بكثير، وأسعار تتقلب بشكل كبير بين لحظة وأخرى.
أوضحت المذكرة التي تشاركها الشركة مع العملاء المحتملين، أن هياكل التسعير هذه معقدة جداً لدرجة أنها «تتجاوز حدود الإدراك البشري».
وتصف المذكرة هذا النظام بأنه «نموذج سوق كبير» يستخدم نهجاً مشابهاً لأنظمة الذكاء الاصطناعي التوليدي، مثل أداة توليد الصور «دال إي» (Dall-E) من «أوبن إيه آي». لكن بدل إنشاء أعمال فنية أصلية، صمم النموذج لاستيعاب معلومات معقدة حول الأسواق، ولوضع استراتيجيات تسعير، تقول المذكرة إن من شأنها زيادة الإيرادات بشكل كبير.
يشير يروشالمي إلى هذه المرحلة بشكل غير مباشر باسم «مرحلة الاستغلال».
ستكون أسعار التذاكر المرتفعة بالتأكيد جذابة لشركات الطيران، التي رفعت أسعارها بشكل كبير خلال الجائحة وبعدها، لكنها اضطرت مذ ذاك إلى تقديم خصومات لجذب المسافرين.
لكن الاستراتيجيات المعقدة الموصوفة في الورقة البيضاء قد تثير المخاوف التي ظهرت في يوليو بعدما ذكر رئيس «دلتا»، غلين هاوينشتاين، نظام «فيتشر» في مكالمة أرباح شركته.
صرح هاوينشتاين بأن «دلتا» تستخدم «فيتشر» للمساعدة في تسعير 3% من شبكتها المحلية، وتخطط لزيادة هذه النسبة إلى 20% بحلول نهاية العام. وأضاف: إن الشركة تخوض مرحلة اختبار مكثفة، وإننا «معجبون بما نراه».
أتى رد الفعل سريعاً، فقد كتبت مجموعة من الديمقراطيين في مجلس الشيوخ، بقيادة روبن غاليغو من ولاية أريزونا، رسالة إلى رئيس «دلتا» التنفيذي، إد باستيان، تشير إلى أن البرنامج قد «يثير مخاوف بشأن خصوصية البيانات»، و«يرجح أيضاً أن يعني زيادات في أسعار الأجرة تصل إلى نقطة الألم لدى كل مستهلك، فيما تعاني العائلات الأمريكية من ارتفاع التكاليف».
ووصف السيناتور الجمهوري عن ولاية ميسوري جوش هاولي نظام «دلتا» بأنه «أسوأ ما سمعته من قطاع الطيران المزري أصلاً». وقدم عضو الكونغرس الديمقراطي غريغ كاسار من ولاية تكساس مشروع قانون لحظر «التسعير المعتمد على المراقبة» على الصعيد الوطني.
وجهت شركات الطيران المنافسة انتقادات مماثلة. فقد استغل روبرت إيزوم، الرئيس التنفيذي لمجموعة «أميركان إيرلاينز»، مؤتمره الصحافي الخاص بنتائج أعماله، إما بدافع غضبه الشديد أو لأنه رأى في ذلك فرصة لإزعاج دلتا، ليشير إلى أن أنظمة تسعير الذكاء الاصطناعي «خدعة وتضليل» وأنها غير أخلاقية.
قال إيزوم: «هذا ليس ما سنفعله». كما صرحت شركة «ساوث ويست إيرلاينز» بأنها لا تستخدم الذكاء الاصطناعي في التسعير.
أعلنت «فيتشر» في بيان لها أن برنامجها «لا يسمح بالتسعير الفردي أو المخصص... ولن يستخدم أو يجمع أو يستقبل أي معلومات تعريف شخصية». أضافت: إنه يمكن أيضاً استخدام البرنامج لخفض الأسعار في أوقات انخفاض الطلب.
رفض متحدث باسم «دلتا» التعليق على المواد التسويقية لشركة «فيتشر»، مشيراً إلى أنها تتعاون مع شركات طيران أخرى. في رسالة بتاريخ 31 يوليو إلى غاليغو، وصف بيتر كارتر، كبير مسؤولي الشؤون الخارجية في الشركة، «فيتشر» بأنه «أداة لدعم القرار» يشرف عليها محللو «دلتا» ويصقلونها.
كتب أن أداة الذكاء الاصطناعي «توصي بتعديلات الأسعار في كلا الاتجاهين»، ووصف النظام بأنه امتداد لنماذج التسعير الديناميكية التي استخدمتها شركات الطيران لعقود. كتب كارتر: «لا يوجد منتج تسعير استخدمته (دلتا) من قبل أو تختبره أو تخطط لاستخدامه يستهدف العملاء بأسعار فردية بناءً على بياناتهم الشخصية».
أضعفت التصريحات السابقة لكل من «فيتشر» و«دلتا» هذا النفي بقدر ما. فقد أشار منشور مدونة «فيتشر» لعام 2024، الذي نشر لأول مرة على موقع «ثريفتي ترافلر»، إلى أن التوقعات المستقبلية للشركة تتضمن «تسعيراً فردياً» يأخذ في الاعتبار البيانات السلوكية مثل سجل الشراء و«السياق الفوري لكل استفسار حجز»، حتى تتمكن شركات الطيران من فهم «كل عميل كفرد، ونحسن كل تفاعل لتحقيق أقصى قيمة».
حذفت الشركة هذا القسم من منشور المدونة حين بدأت ردود الفعل السلبية تجاه «دلتا». قالت في بيان إن القسم المحذوف وصف بوضوح بأنه تنبؤ مستقبلي، وإن المدونة أقرت بالمخاوف التنظيمية بشأن الخصوصية.
في غضون ذلك، أشارت «دلتا» فيما مضى إلى أنها تخطط لاستخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي لرفع الأسعار على عملاء معينين. قال هاوينشتاين في فعالية للمستثمرين في نوفمبر: «سيكون لدينا سعر متاح على تلك الرحلة، في ذلك الوقت لك، أيها الفرد».
أضاف: «إن دلتا تستخدم «فيتشر» لتقديم «عروض محسنة» لبعض العملاء تختبر حدود نطاق أسعارهم». وتساءل: «هل يمكننا قبول زيادة قدرها 20 دولاراً في أسعارنا دون أن نشهد انخفاضاً في حصتنا السوقية؟ هل يمكننا قبول زيادة قدرها 40 دولاراً؟».
بدا أن المحللين الذين حضروا الفعالية أعجبوا بالفكرة. قال مايكل لينينبرغ، المدير الإداري في دويتشه بنك: «يكمن جوهر العرض والطلب في تلبية منحنى الطلب الشخصي لكل فرد». ووافقه هاوينشتاين الرأي. وأضاف: «يكمن جوهر الأمر في الحصول على العرض المناسب في الوقت المناسب».
قد يكون العملاء، بطبيعة الحال، أقل اهتماماً بموضوع الوقوع في «مرحلة الاستغلال» المدعومة بالذكاء الاصطناعي. لكن ليندسي أوينز، المديرة التنفيذية لمؤسسة «غراوندورك كولابوراتيف»، وهي مؤسسة بحثية ذات توجه يساري في مجال السياسات الاقتصادية، تقول إن مثل هذه الأنظمة أصبحت أكثر شيوعاً.
أضافت أوينز، التي تعد كتاباً حول هذا الموضوع: «على مدى العقد الماضي، شهدنا ظهور نوع من الصناعات المنزلية لمستشاري التسعير ذوي التقنية العالية... لن يتوقف الأمر عند (دلتا)»، مشيرة إلى أن تجار التجزئة وشركات حجز السيارات يجربون بالفعل أدوات مشابهة وأن «صناعة الطيران ستصدر هذه الممارسات إلى قطاعات أخرى».